بدأ العام الجديد بنزيف لا يتوقف من الدم والحزن. ولا يتصور أحد أنه غضب من السماء. فهو من صنع أيدينا ونتاج ما فعلنا سنين.
إنفجرت العبوات الناسفة في قلب دار العبادة وقت تراتيل الصلاة وفرحة تبادل التهاني. فاندهشنا. وما كان لنا أن نندهش. فالمناخ السائد منذ سنوات يؤدي إلي الاحتقان. والتربص بمصر من الخارج والداخل ليس خافياً علي أحد.
لم نكد نلتقط أنفاسنا ونضمد جراحنا حتي وقعت حوادث مرور دامية. راح فيها في يوم واحد عشرات القتلي انتشرت أجسادهم علي أسفلت طريق "بلبيس وفاقوس". جميعهم أبرياء. ومن بينهم اثنا عشر طفلا جاءوا من قرية واحدة. كانوا في طريقهم للعمل بمزرعة الصالحية الجديدة.
إلي جانب المأساة ودموع الأمهات يخيم الحزن علي الجميع. ونسأل لماذا يعمل الأطفال. لابد وأن أسرهم في أشد الحاجة للقمة العيش.. ولا نسأل لماذا يموت الناس علي الطريق. فالحوادث تتكرر بلا معني والأسباب لا تبدو مستعصية.
ثم كان القلق في "الوراق" ومظاهرات بالآلاف تجمهروا غاضبين وقد ظنوا أن أبناءهم وآباءهم وأزواجهم وجيرانهم يحترقون داخل قسم الشرطة. وليس من منقذ.. أي رعب هذا الذي استمر حتي الساعات الأولي من الصباح. وكان يمكن أن يؤدي إلي عواقب وخيمة لولا حكمة كبير الضباط. والسماح للغاضبين برؤية من لهم في الحجز داخل القسم والاطمئنان علي حياتهم.. وإذا كان لم يقع ضحايا فإن النفوس مشحونة.. وإذا كانت القصة التي تكشفت تتهم مسجلين خطر محتجزين باشعال نيران لم يتمكنوا من السيطرة عليها. وعندما حاول الآخرون النجاة من الحريق منعهم الضباط والجنود حتي لا يهربوا. فإن الناس أصبحت تتشكك ولا تريد أن تصدق.
يلفت النظر تلك الجرأة علي رجال الأمن. فبعد أحداث كنيسة القديسين بالاسكندرية اندلعت المظاهرات في عدد من المدن المصرية تهاجم الشرطة وتقذفها بالحجارة.. كذلك فعلوا في "الوراق"!
ثم يأتي الحادث الغريب. حيث يقتحم مندوب شرطة عربة قطار الصعيد عند وقوفه في محطة "سمالوط" ويطلق النار علي الركاب. وأحسب أن من مات وجرح أصابته دهشة. فليس هناك من سبب. ولم يتوقع أحد الخطر.. وإذا كان الضحايا قتيل واحد وخمسة جرحي فإن الرعب دخل قلوب الكثيرين.
تصوروا مصلياً خائفا. وذاهبا إلي عمله خائفا. وراكب القطار خائفا!
حدث كل هذا في الأيام العشرة الأولي من السنة الجديدة.. استرها يا رب.