الخطاط
هو الفنان الذي يجعل من الحروف العربية لوحة فنية يقف أمامها المشاهد مبهوتاً يفكر في دقة الكتابة، وروعة القصبة، وعبقرية الخطاط.
ولا يقتصر الخطاط على صناعة لوحة فنية من الحروف العربية، لكنه يصنع منها لوحات كثيرة، كل واحدة منها تحكي براعته في صناعة تلك التحف التي يعجز عن مثلها النحات والمصور والمغني والكاتب ونحوهم.
إن الخطاط المبدع هو الذي يجعل موهبته في اللوحة تتكلم من خلال رشاقة الخط، وتناسق سطوره، ومدّاته وحركاته.
ونلمس قدرة الخطاط في إتقان مهنته، عندما نقف أمام لوحة من لوحاته فنجد حبرها متكاملاً في بداية الحرف الأول، ومتواصلاً في ذلك إلى نهاية الأخير، وأن قلمه (القصبة) التي كتب بها تناسب قطَّتُها حجم الخط ومساحة اللوحة، والقلم الذي يكتب فيه على ورق أو كرتون يختلف فيه نوعه وحجمه عما يكتب فيه على الخشب والجص والرخام والجلد والبلاستيك والزجاج والقماش وغيرها من مختلفات المواد.
وإذا كان الخطاط اليوم يستعمل الفرشاة في أغلب اللوحات فقد كان قديماً يكتب كل ذلك بالقلم (القصبة)، وحينما اخترع المتأخرون القصبة من معدن اعتبروا ذلك عيباً في الخطاط لأن قصبة الحديد لا تعطي ما تعطيه القصبة النباتية.
إن الخطاط فنان مبدع، يستحق الانحناء والتكريم تقديراً لما يقدمه من لوحات خطّية للأجيال القادمة.
فضل الخط
الخط والكتابة وجهان لعملة واحدة، وهما عصارة فكر الإنسان الذي فكر في الإبداع منذ الأزل، وسيبقى يفكر في خلود الذكر والأثر إلى الأبد.
لقد راح الباحثون يقلّبون أوراق السالفين للوصول إلى المعلّم الأول لفن الخط؛ فكانت الآية الكريمة ] اقرأ وربُّك الأكرم، الذي علّم بالقلم[([1]).
هي المعْلَم الذي يأخذ بيد الباحث إلى أن الله سبحانه هو المعلِّم الأول لقوله: ]علّم بالقلم[.
وقد تحدّث العلماء عن فضيلة الخط، وجمالياته، وأسباب انتشاره أو انحساره، وتطوره وجموده، وكتبوا في ذلك الكثير، فنحن نرى الأبجدية الإنكليزية تغزو العالم في القرون الثلاثة الأخيرة بسبب الغزو العسكري، بينما نجد الأبجدية العربية تنتشر في العالم منذ خمسة عشر قرناً بسبب نشر الدعوة الإسلامية وتقبّل الشعوب هذه اللغة لأنها لغة القرآن ولغة الإسلام، ووسيلة التفاهم بين الشعوب الإسلامية.
وقد عرّف العرب الخط فقالوا: الخط لسان اليد.
وأسلس حاجي خليفة العنان لقلمه فكتب يقول: (ما من أمر إلاّ والكتاب موكل به، مدبّر له، ومعبّر عنه، وبه ظهرت خاصة النوع الإنساني من القوة إلى الفعل، وامتاز به عن سائر الحيوانات)([2]).
ونظراً لقيمة الخط فإننا نرى الخطاط مثلاً يكتب الآية القرآنية، أو الحديث النبوي، أو الحكمة البالغة، فيزيد جمالها جمالاً في روعة خطه، وعصارة إبداعه، وإذا كانت اللوحة المخطوطة تحرك القلوب بنصّها، فإن الخطاط يهز مشاعر المشاهدين بجمال عطائه، ولذلك لم نجد خطاطاً واحداً كتب كلاماً سخيفاً ليزيّنه بجمال خطه، فالجمال لا يقع إلاّ على الجمال.
يقول الدكتور علي أرسلان –وهو خطاط وأستاذ بجامعة استانبول:
(يعتبر فن الخط، أصعب الفنون الإسلامية، وذلك لأن الفنان فيه لا يملك في يده غير القلم البسيط، وهذا القلم مسطرة الخطاط وبِرْجَلُهُ([3]) . وهو قسطاسه الذي يعين به أحجام الحروف.
هذا القلم يقوم بأداء كل وظائف الآلات الأخرى التي يمتلكها الفنانون في سائر الفنون الأخرى. لذا تلزم الخطاط خصلتان رئيسيتان هما: القابلية وبذل الجهد)([4]).
وبالإضافة إلى كون الخط فناً وذوقاً وجمالاً، فقد كان وما زال مورداً لرزق الكثيرين من الخطاطين والهواة، سواء في محلاّت في الأسواق أو تدريساً وتعليماً، أو تأليفاً وتحقيقاً.
ولذلك اعتبره الأدباء فناً ومورد رزق.
قال ابن المقفع: (الخط للأمير جمال، وللغني كمال، وللفقير مال).
وقال أحد الشعراء:
تعلّم قوام الخط يا ذا التأدب
فما الخط إلاّ زينة المتأدّب
تعلّم قوام الخط يا ذا التأدب
وإن كنت محتاجاً فأفضل([5]) مكسب
وهذه المزايا التي امتاز بها الخط العربي من جمال وكمال ومال، قد لا نجدها في خط آخر من خطوط العالم.
قال أبو تمام يصف جمال رسالة جاءته فأعجب بها:
مداد مثلُ خافية الغراب
وقرطاس كرقراق السراب
وألفاظ كألفاظ المثاني
وخط مثل وشم يد الكَعاب
كتبتُ ولو قدرت هوى وشوقاً
إليكِ لكنتُ سطراً في([6]) كتاب
وقد امتاز الخطاطون العرب والمسلمون بالجمع بين جمالية المقروء وإبداعية الخطاط الفنان، بمعنى أنهم كانوا يختارون أجمل اللفظ فيودعون فيه أجمل ما لديهم من جمالية الخط وروائعه. وهم بهذا يزيدون جمال المعنى اللفظي جمال الخط، فيكون في ذلك إبداع الصورة والمعنى.
ولقد تحدث عن ذلك القلقشندي حيث جعل الإبداع في الجمع بين الشكل والمضمون فقال: (اللفظ إذا كان مقبولاً حلواً رفع المعنى الخسيس وقرّبه من النفوس، وإذا كان غثاً مستكرهاً وضع المعنى الرفيع وبّعده من القلوب.
كذلك الخط إذا كان جيداً حسناً، بعث الإنسان على قراءة ما أودع فيه، وإن كان قليل الفائدة، وإذا كان ركيكاً قبيحاً صرفه عن تأمل ما تضمنه وإن كان جليل الفائدة)([7]).
وحين راح الخطاطون يتفنّنون في الخط فيلغزون فيه ويمشقونه مشقاً([8]).بحيث يتحول الخط إلى طلسم ولغز يصعب معرفته، نبّه العلماء إلى ضرورة حسن البيان في الخط وإيضاحه، حتى أن ابن سيرين كان يكره أن يُكتب القرآن مشقاً، ويقول: (أجود الخط أبينَهُ)([9]). وذلك لسهولة القراءة، ومن ثم لسرعة الفهم.
------------------------------
([1]) الآية الرابعة من سورة العلق.
([2]) كشف الظنون (1/707).
([3]) البرجل: الفرجار أو البيكار.
([4]) العثمانيون (ص257).
([5]) كيف نعلم الخط العربي (ص107).
([6]) العقد الفريد (4/ 201).
([7]) صبح الأعشى (3/5-6) كما في تراجم خطاطي بغداد (ص63).
([8]) المشق: مدّ الحروف وإطالتها.
([9]) العقد الفريد (4/197).
هو الفنان الذي يجعل من الحروف العربية لوحة فنية يقف أمامها المشاهد مبهوتاً يفكر في دقة الكتابة، وروعة القصبة، وعبقرية الخطاط.
ولا يقتصر الخطاط على صناعة لوحة فنية من الحروف العربية، لكنه يصنع منها لوحات كثيرة، كل واحدة منها تحكي براعته في صناعة تلك التحف التي يعجز عن مثلها النحات والمصور والمغني والكاتب ونحوهم.
إن الخطاط المبدع هو الذي يجعل موهبته في اللوحة تتكلم من خلال رشاقة الخط، وتناسق سطوره، ومدّاته وحركاته.
ونلمس قدرة الخطاط في إتقان مهنته، عندما نقف أمام لوحة من لوحاته فنجد حبرها متكاملاً في بداية الحرف الأول، ومتواصلاً في ذلك إلى نهاية الأخير، وأن قلمه (القصبة) التي كتب بها تناسب قطَّتُها حجم الخط ومساحة اللوحة، والقلم الذي يكتب فيه على ورق أو كرتون يختلف فيه نوعه وحجمه عما يكتب فيه على الخشب والجص والرخام والجلد والبلاستيك والزجاج والقماش وغيرها من مختلفات المواد.
وإذا كان الخطاط اليوم يستعمل الفرشاة في أغلب اللوحات فقد كان قديماً يكتب كل ذلك بالقلم (القصبة)، وحينما اخترع المتأخرون القصبة من معدن اعتبروا ذلك عيباً في الخطاط لأن قصبة الحديد لا تعطي ما تعطيه القصبة النباتية.
إن الخطاط فنان مبدع، يستحق الانحناء والتكريم تقديراً لما يقدمه من لوحات خطّية للأجيال القادمة.
فضل الخط
الخط والكتابة وجهان لعملة واحدة، وهما عصارة فكر الإنسان الذي فكر في الإبداع منذ الأزل، وسيبقى يفكر في خلود الذكر والأثر إلى الأبد.
لقد راح الباحثون يقلّبون أوراق السالفين للوصول إلى المعلّم الأول لفن الخط؛ فكانت الآية الكريمة ] اقرأ وربُّك الأكرم، الذي علّم بالقلم[([1]).
هي المعْلَم الذي يأخذ بيد الباحث إلى أن الله سبحانه هو المعلِّم الأول لقوله: ]علّم بالقلم[.
وقد تحدّث العلماء عن فضيلة الخط، وجمالياته، وأسباب انتشاره أو انحساره، وتطوره وجموده، وكتبوا في ذلك الكثير، فنحن نرى الأبجدية الإنكليزية تغزو العالم في القرون الثلاثة الأخيرة بسبب الغزو العسكري، بينما نجد الأبجدية العربية تنتشر في العالم منذ خمسة عشر قرناً بسبب نشر الدعوة الإسلامية وتقبّل الشعوب هذه اللغة لأنها لغة القرآن ولغة الإسلام، ووسيلة التفاهم بين الشعوب الإسلامية.
وقد عرّف العرب الخط فقالوا: الخط لسان اليد.
وأسلس حاجي خليفة العنان لقلمه فكتب يقول: (ما من أمر إلاّ والكتاب موكل به، مدبّر له، ومعبّر عنه، وبه ظهرت خاصة النوع الإنساني من القوة إلى الفعل، وامتاز به عن سائر الحيوانات)([2]).
ونظراً لقيمة الخط فإننا نرى الخطاط مثلاً يكتب الآية القرآنية، أو الحديث النبوي، أو الحكمة البالغة، فيزيد جمالها جمالاً في روعة خطه، وعصارة إبداعه، وإذا كانت اللوحة المخطوطة تحرك القلوب بنصّها، فإن الخطاط يهز مشاعر المشاهدين بجمال عطائه، ولذلك لم نجد خطاطاً واحداً كتب كلاماً سخيفاً ليزيّنه بجمال خطه، فالجمال لا يقع إلاّ على الجمال.
يقول الدكتور علي أرسلان –وهو خطاط وأستاذ بجامعة استانبول:
(يعتبر فن الخط، أصعب الفنون الإسلامية، وذلك لأن الفنان فيه لا يملك في يده غير القلم البسيط، وهذا القلم مسطرة الخطاط وبِرْجَلُهُ([3]) . وهو قسطاسه الذي يعين به أحجام الحروف.
هذا القلم يقوم بأداء كل وظائف الآلات الأخرى التي يمتلكها الفنانون في سائر الفنون الأخرى. لذا تلزم الخطاط خصلتان رئيسيتان هما: القابلية وبذل الجهد)([4]).
وبالإضافة إلى كون الخط فناً وذوقاً وجمالاً، فقد كان وما زال مورداً لرزق الكثيرين من الخطاطين والهواة، سواء في محلاّت في الأسواق أو تدريساً وتعليماً، أو تأليفاً وتحقيقاً.
ولذلك اعتبره الأدباء فناً ومورد رزق.
قال ابن المقفع: (الخط للأمير جمال، وللغني كمال، وللفقير مال).
وقال أحد الشعراء:
تعلّم قوام الخط يا ذا التأدب
فما الخط إلاّ زينة المتأدّب
تعلّم قوام الخط يا ذا التأدب
وإن كنت محتاجاً فأفضل([5]) مكسب
وهذه المزايا التي امتاز بها الخط العربي من جمال وكمال ومال، قد لا نجدها في خط آخر من خطوط العالم.
قال أبو تمام يصف جمال رسالة جاءته فأعجب بها:
مداد مثلُ خافية الغراب
وقرطاس كرقراق السراب
وألفاظ كألفاظ المثاني
وخط مثل وشم يد الكَعاب
كتبتُ ولو قدرت هوى وشوقاً
إليكِ لكنتُ سطراً في([6]) كتاب
وقد امتاز الخطاطون العرب والمسلمون بالجمع بين جمالية المقروء وإبداعية الخطاط الفنان، بمعنى أنهم كانوا يختارون أجمل اللفظ فيودعون فيه أجمل ما لديهم من جمالية الخط وروائعه. وهم بهذا يزيدون جمال المعنى اللفظي جمال الخط، فيكون في ذلك إبداع الصورة والمعنى.
ولقد تحدث عن ذلك القلقشندي حيث جعل الإبداع في الجمع بين الشكل والمضمون فقال: (اللفظ إذا كان مقبولاً حلواً رفع المعنى الخسيس وقرّبه من النفوس، وإذا كان غثاً مستكرهاً وضع المعنى الرفيع وبّعده من القلوب.
كذلك الخط إذا كان جيداً حسناً، بعث الإنسان على قراءة ما أودع فيه، وإن كان قليل الفائدة، وإذا كان ركيكاً قبيحاً صرفه عن تأمل ما تضمنه وإن كان جليل الفائدة)([7]).
وحين راح الخطاطون يتفنّنون في الخط فيلغزون فيه ويمشقونه مشقاً([8]).بحيث يتحول الخط إلى طلسم ولغز يصعب معرفته، نبّه العلماء إلى ضرورة حسن البيان في الخط وإيضاحه، حتى أن ابن سيرين كان يكره أن يُكتب القرآن مشقاً، ويقول: (أجود الخط أبينَهُ)([9]). وذلك لسهولة القراءة، ومن ثم لسرعة الفهم.
------------------------------
([1]) الآية الرابعة من سورة العلق.
([2]) كشف الظنون (1/707).
([3]) البرجل: الفرجار أو البيكار.
([4]) العثمانيون (ص257).
([5]) كيف نعلم الخط العربي (ص107).
([6]) العقد الفريد (4/ 201).
([7]) صبح الأعشى (3/5-6) كما في تراجم خطاطي بغداد (ص63).
([8]) المشق: مدّ الحروف وإطالتها.
([9]) العقد الفريد (4/197).
السبت 07 نوفمبر 2015, 3:30 pm من طرف alimaza
» جسر سان فرانسيسكو-أوكلاند
الخميس 18 سبتمبر 2014, 10:36 pm من طرف مؤسس المنتدى
» هندسة - الصف الثاني الاعدادي - مراجعة عامة الجزء الثاني
الخميس 18 سبتمبر 2014, 9:44 pm من طرف مؤسس المنتدى
» توابع خسارة السوبر .. 3 دقائق "نفسنة" زملكاوية علي الأهلي
الخميس 18 سبتمبر 2014, 9:38 pm من طرف مؤسس المنتدى
» 19 سبتمبر
الخميس 18 سبتمبر 2014, 9:16 pm من طرف مؤسس المنتدى
» دفتر اليومية الامريكي مصمم بواسطة برنامج ال Excel بالعربي والانجليزي
الخميس 18 سبتمبر 2014, 9:11 pm من طرف مؤسس المنتدى
» اكبر عضو فى جسم الانسان
الخميس 20 ديسمبر 2012, 7:18 pm من طرف mohamed khafagy
» لماذا ماء الاذن مر وماء العين مالح وماء الفم عذب
الخميس 20 ديسمبر 2012, 7:15 pm من طرف mohamed khafagy
» اذا قرصت نمله لاتقتلها بل اشكرها
الخميس 20 ديسمبر 2012, 7:06 pm من طرف mohamed khafagy
» لماذا تهاجر الطيور على شكل سبعه
الخميس 20 ديسمبر 2012, 7:03 pm من طرف mohamed khafagy
» خطورة إبقاء نصف بصلة في الثلاجة!
الخميس 20 ديسمبر 2012, 6:59 pm من طرف mohamed khafagy
» اتفاق مبدئي بين الداخلية واتحاد الكرة على عودة الدوري 24 أغسطس
الجمعة 19 أكتوبر 2012, 4:15 pm من طرف سيد النشار
» اتحاد الكرة يؤكد عودة الدوري في موعده المحدد
الأحد 15 يوليو 2012, 1:34 pm من طرف mohamed khafagy
» وزارة الداخلية ترفض عودة الدوري
الأحد 15 يوليو 2012, 1:26 pm من طرف mohamed khafagy
» حمادة طلبة يوقع للزمالك الأحد واحتمالات لمشاركته أمام الأهلي
الأحد 15 يوليو 2012, 1:24 pm من طرف mohamed khafagy